فقول المصنف: [وهذا أمر متيقن به في طوائف كثيرة وأئمة في العلم والدين]، يعني اجتماع الوقوع في البدعة أو المعصية أو الذنب أو النفاق العملي مع محبة الله ورسوله والإيمان باطناً أمر متيقن به في طوائف كثيرة، هذا بالنسبة للفرق، وأيضاً عند أئمة في العلم والدين كثيرين، فيلاحظ اجتماع البدعة والطاعة، أو البدعة ومحبة الله ورسوله في الباطن حتى عند بعض الطوائف البدعية، ولذلك نجد الخوارج على سبيل المثال لم يكفرهم كثير من السلف، وتوقف فيهم الإمام أحمد، وظاهر كلامه أنه لا يكفرهم رحمه الله، وقد جاء في الحديث: {يمرقون من الدين} إلى آخره، لكن الخوارج في واقع أمرهم وحالهم في الباطن يحبون الله ورسوله، بغض النظر عمن غلا منهم ومرق من الدين، لكن أول من خرج منهم وهم القراء متيقن أن عندهم محبة الله ورسوله، ولهذا لما قيل لـعلي رضي الله تعالى عنه: [[أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا، قالوا: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً، وهؤلاء يذكرون الله كثيراً]]، يعني هم ليسوا كفاراً ولا منافقين، ويتضح ذلك من حالهم وشدة اجتهادهم في العبادة، وقراءتهم للقرآن ومحبتهم له، وحرصهم على الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بالشيخين والترضي عنهما، فأصل مشكلة الخوارج كما تعلمون الغلو في الدين وليست في التفريط والتهاون، فالغلو هو الذي جعلهم يريدون أن يكون عثمان وعلي كـأبي بكر وعمر، ولم يقبلوا أن يكون الخليفة أقل في كماله أقل من أبي بكر وعمر والكمال العالي جداً لا يصله كل أحد، وهناك كمال أقل منه وهو كمال معتبر أيضاً، وقد كانت مشكلة الخوارج أنهم أرادوا أن يكون معيار الكمال معياراً واحداً لكل أحد، فهم في الباطن يحبون الله ورسوله؛ فهذا كمثال، ولهذا تجدون في مقابلهم دائماً الروافض وقد ذكرهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مقابل الخوارج وما هم عليه في الباطن، فـالروافض هم الفرقة التي تجد قلوبها في الباطن مبنية على النفاق، فالأصل فيهم النفاق مع إظهار الخير والدين، ومحبة الله ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبة الصحابة والمؤمنين أحياناً، لكن الباطن بخلاف ذلك، فأصل مذهبهم النفاق، وأما الخوارج فأصل مذهبهم الإخلاص، لكن لم يأتوا بالموافقة وبالمتابعة، والإخلاص ضد النفاق، هذا من حيث الأصل ككل، والفرق بعد ذلك تتشعب والأفراد يختلفون، وهذا أمر آخر، لكن كمبدأ عام فإن الفرقة الواحدة تتفرع، فـالشيعة تفرع منهم الرافضة، وكان من الشيعة غير الغلاة من يقدم علياً على عثمان رضي الله تعالى عنهما، أو فيهم تشيع يسير في المواقف العملية، لكنهم في حقيقة أمرهم أئمة وعلماء وعباد، ويحبون الله ورسوله، إلا أنهم وقعوا في هذه البدعة، وهي بدعة قد غَلَظَ فيها بعض السلف حتى قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (من فضل علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار)؛ لأنهم بعد موته صلى الله عليه وسلم كانوا إذا تكلموا يقولون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وهذا شائع ومشهور بينهم، ومن فضل علياً على عثمان وخالفهم في هذا الترتيب، فقد أزرى بهم، فكأنه احتقر عقولهم واحتقر رأيهم، إذن فمثل هؤلاء الشيعة عندهم حب الله ورسوله وفيهم الإيمان، ولكن وقعوا في مثل هذه البدعة، وتفاوتوا فيها، كما يوجد أناس في واقعنا المعاصر يقيمون البدع وينسبونها إلى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا نستطيع نفي المحبة لله ورسوله عنهم، ولكننا نستطيع أن ننفي عنهم فعل الصواب والمتابعة والموافقة، وأنهم في هذا العمل لم يتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتبعوا سنته، ولم يوافقوا هديه وهدي خلفائه الراشدين وصحابته.
فما دمنا لا نستطيع أن ننفي عنهم الإيمان في الباطن، فهم ليسوا كفاراً؛ لأنهم مع بدعتهم مسلمون، وهذا هو مقصود الشارح من قوله: [وهذا أمر متيقن به في طوائف كثيرة، وأئمة في العلم والدين] فيوجد أئمة من أئمة العلم والدين والهدى يخطئون في بعض المسائل، يقول: [وفيهم بعض مقالات الجهمية، أو المرجئة، أو القدرية، أو الشيعة، أو الخوارج، ولكن الأئمة في العلم والدين لا يكونون قائمين بجملة تلك البدعة أي: بالمنهج كله، بل بفرع منها] وهذا فرق عظيم ومهم جداً، ونحن أمة العدل الذين أمرنا الله بالعدل؛ يجب أن نعدل وننصف في حكمنا على الأئمة وعلى الطوائف وعلى الناس مراعين هذا الجانب.